الرئيسية / اخبار محلية / خروج المفتي… مرآة ضعف الحكومة ومحاربة صوت الاعتدال

خروج المفتي… مرآة ضعف الحكومة ومحاربة صوت الاعتدال

لم يكن خروج سماحة مفتي جمهورية العراق من جامع أم الطبول حدثًا عابرًا، بل نقطة تحوّل سياسية ودينية كشفت عن أزمة عميقة في إدارة الدولة الحالية.

فالمفتي الذي مثّل لسنوات طويلة صوت الوسطية والاعتدال، وجاء بدعم من رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي، لم يكن مجرّد رجل دين، بل رمزًا وطنيًا حافظ على وحدة العراقيين في أحلك الظروف.

لكن قرار إبعاده بهذه الطريقة فُسّر على نطاقٍ واسع بأنه تجسيد لضعف الحكومة الحالية برئاسة السيد محمد شياع السوداني، وارتباكها في التعامل مع الرموز الوطنية المستقلة.

فبدل أن تكرّم الدولة من وقف إلى جانبها في زمن الفتنة، اختارت أن تُقصي صوتًا معتدلًا، في وقتٍ تتزايد فيه الحاجة إلى خطاب وطني يوحّد الصفوف ويمنع الانقسام.

إنّ ما يجري لا يمكن فصله عن ملف الاستثمارات والضغوط الاقتصادية التي أحاطت بالمسجد والممتلكات الدينية، حيث حاولت بعض الجهات الرسمية تحويل المساحات التابعة لجامع أم الطبول إلى مشاريع تجارية واستثمارية عبر واجهات وشركات، وكأن بيوت الله صارت ساحات لعقودٍ ومنافع، لا ساحاتٍ للعبادة والعلم والإصلاح.

لكن المشهد انقلب على من أراد استثماره، فالغضب الشعبي والديني كان أكبر من أن يُحتوى أو يُدار بخطابٍ سياسي.

وهنا تبرز مشكلة أعمق في نهج الحكومة: فبدل الانفتاح على قوى الاعتدال والرموز التي تحمل فكر الدولة والمواطنة، انزلقت السلطة نحو استرضاء شخصيات تحمل ماضيًا سيئًا أو انتماءات بعثية مكشوفة، لتُعيد إنتاج أخطاء الماضي تحت عناوين جديدة.

إنّ محاربة صوت الاعتدال واستبداله بأصوات الإقصاء هو انتحار سياسي بطيء لأي حكومة.

المجتمع العراقي لم يبقَ صامتًا.

فقد عبّر الشارع والرأي العام عن رفضه لهذه السياسات، مؤكدًا أن الرموز الوطنية لا تُستبدل، وأن الصوت المعتدل هو صمام الأمان في بلدٍ أنهكته الصراعات.

كل قرار يهمّش رموز الوحدة ويقرّب من مثيري الانقسام لن يقود إلى الاستقرار، بل إلى مزيد من الضعف وفقدان الثقة.

لقد أرادت الحكومة أن تُظهر حزمها، لكنها أظهرت عجزها عن فهم التوازن الوطني.

وأرادت أن تفرض سيطرتها على المؤسسات الدينية، لكنها كشفت ضعفها في احتواء القوى الاجتماعية الراشدة.

أرادت أن تُسكت صوت الاعتدال، لكنها أيقظت وعيًا شعبيًا لن يسكت بعد اليوم.

إنّ خروج المفتي من جامع أم الطبول ليس مجرد واقعة دينية، بل مرآة صادقة لضعف الرؤية السياسية والقيادية.

وإنّ محاربة صوت الاعتدال لصالح وجوهٍ من الماضي هي الخطوة التي تسبق السقوط في الحاضر.

فالشعوب قد تصبر، لكنها لا تنسى من حارب رموزها، ولا تسامح من استبدل العقل بالولاء، والوطنية بالصفقة

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المفتي والفتنة.. كيف حوّل دار الإفتاء إلى حصن وطني أسقط المشاريع الغربية؟

لم تكن مواجهة دعاة الفتنة في العراق مجرد كلمات عابرة أو مواقف عاطفية، بل كانت ...